البراز المائي المتكرر والخمول، وأيضاً القلق الذي يظهر في عينيك سواء كأم أو أب.. هذه هي العلامات المباشرة لـ الإسهال عند الأطفال، فهي تجربة تكاد لا تخلو منها عائلة وهي سبب شائع جداً لزيارات عيادات طب الأطفال.
الخطر الحقيقي في إسهال الأطفال - على الرغم من أن معظم الحالات تكون بسيطة وتُشفى من تلقاء نفسها - ليس في الإسهال بحد ذاته بل في مضاعفاته المقلقة وعلى رأسها الجفاف عند الأطفال.
معرفة كيفية التعامل الصحيح ومتى يجب طلب المساعدة الطبية الفورية هو الفارق الحقيقي لضمان سلامة طفلك، فتابع معنا القراءة عزيزي القارئ لنتعرف على كل هذا بشكل مبسط وممتع وواضح.
متى يجب زيارة الطبيب فورًا عند وجود الإسهال عند الأطفال؟
أول رد فعل طبيعي عند رؤية طفلك يعاني من الإسهال هو القلق، ومن وجهة نظري هذا القلق مبرر ولكنه يجب أن يُوجّه بشكل صحيح.
معظم حالات الاسهال عند الاطفال - لا سيما منها الفيروسية - يمكن إدارتها بأمان في المنزل بالتركيز على السوائل، لكن هناك "علامات حمراء" واضحة لا تقبل الجدال أو التأخير وهي تحول الحالة من "مقلقة" إلى "طارئة"، وهنا سنرشدك لمعرفة متى يكون الإسهال خطير عند الأطفال.
علامات الخطر الفورية التي تستدعي الذهاب للطبيب فوراً
هذه الأعراض لا تعني فقط أن طفلك يعاني من الإسهال بل تعني أن هناك شيئاً أكثر خطورة يحدث كعدوى بكتيرية غازية أو التهاب شديد أو بداية مضاعفات خطيرة.
أذكر أنني دائماً أشدد للآباء في العيادة أن الثقة بحدسهم مهمة ولكن هذه القائمة هي العلم الذي يجب أن يثقوا به، وأهم هذه العلامات التي توجب التدخل الفوري والذهاب للطوارئ هي:
- وجود دم واضح في البراز أو إذا كان البراز أسوداً قطراني الشكل.
- ارتفاع شديد في درجة الحرارة (أعلى من 40 درجة مئوية).
- وجود حمى (أعلى من 38 درجة مئوية) لدى رضيع يقل عمره عن 3 أشهر.
- ألم شديد ومستمر في البطن (لأكثر من ساعتين) أو يجعل الطفل يرفض الحركة.
- انتفاخ ملحوظ أو تحجر في البطن.
- التقيؤ المستمر لأكثر من 3 مرات خاصة للسوائل الصافية.
- إذا كان لون القيء أخضر زاهياً أو يحتوي على دم أو يشبه "تفل القهوة".
- الإسهال الشديد (الذي يتجاوز 10 مرات من البراز المائي في 24 ساعة).
- رفض الطفل التام للشرب أو الأكل لعدة ساعات.
- ظهور طفح جلدي مفاجئ أو يرقان (اصفرار الجلد والعينين).
- إذا كان طفلك يعاني من ضعف معروف في جهاز المناعة.
- إذا كان الطفل يبدو "مريضاً جداً" (خامل، أو لا يستجيب، أو شديد التهيج والبكاء).
هذه الأعراض غير قابلة للتأجيل أو التساهل، فوجود الدم في البراز هو علامة مهمة وفاصلة وغالباً ما تشير إلى أن أسباب الإسهال عند الأطفال ليست فيروسية بسيطة، بل قد تكون عدوى بكتيرية تتطلب تدخلاً علاجياً.
كذلك الحمى في الرضع الصغار تُعتبر حالة طارئة حتى يثبت العكس، وألم البطن الشديد الذي يجعل الطفل يتخشب قد يشير إلى التهاب الزائدة الدودية أو غيرها من المشاكل الجراحية، فلا تنتظر إلى الصباح فاتجه إلى أقرب قسم طوارئ على الفور.
ما هي أعراض الجفاف عند الأطفال؟
هذا هو العدو الحقيقي، أنا أتحدث عن الجفاف عند الأطفال؛ فهو السبب الأول لدخول المستشفى بسبب الإسهال عند الأطفال، حيث يحدث الجفاف عندما يفقد طفلك السوائل والأملاح (الإلكتروليتات) أسرع مما يستطيع تعويضه، والتعرف على علامات الجفاف مبكراً هو أهم جزء للتعامل مع إسهال الأطفال في المنزل بشكل آمن.
أبرز علامات الجفاف التي يجب على الأم والأب مراقبتها عن كثب هي:
- جفاف الفم واللسان.
- قلة الدموع أو انعدامها عند البكاء.
- قلة البول (مثل عدم تبليل الحفاض لمدة 6 إلى 8 ساعات، أو بول أصفر داكن).
- انخفاض أو "غوران" اليافوخ (البقعة اللينة في أعلى رأس الرضيع).
- غوران (انخماص) العينين أو الخدين.
- الخمول الشديد أو النعاس المفرط أو التهيج الشديد.
- برودة في الأطراف أو تغير لون الجلد.
- سرعة في ضربات القلب أو التنفس.
- فقدان مرونة الجلد (عند قرصه لا يعود لمكانه فوراً).
وكما نعلم، فالجفاف عند الأطفال - وعند الجميع بشكل عام - عبارة عن درجات ومراحل، فالجفاف الخفيف (مثل جفاف الفم) يمكن التعامل معه في المنزل بمحلول معالجة الجفاف الفموي (ORS)، لكن الجفاف الشديد (مثل غوران العينين، وانعدام البول، والخمول الشديد) هو حالة طوارئ طبية حقيقية تتطلب سوائل وريدية (IV) في المستشفى.
أعراض أخرى في الإسهال عند الأطفال تتطلب استشارة الطبيب
بعد أن انتهينا من تغطية الطوارئ الفورية والجفاف نأتي الآن إلى المجموعة الثالثة من الأعراض، وهذه الأعراض لا تعني بالضرورة أن تذهب فوراً إلى الطوارئ ولكنها تعني أن عليك الذهاب إلى الطبيب في الصباح، وهي علامات على أن الإسهال عند الأطفال ليس بالحالة البسيطة العابرة، منها:
- إذا استمر الإسهال عند طفلك لأكثر من 3 أيام دون تحسن.
- إذا استمر الإسهال لأكثر من أسبوعين (حيث يتحول إلى إسهال مستمر أو مزمن).
- إذا كان الطفل يتقيأ بشكل متقطع لأكثر من 12 إلى 24 ساعة.
- إذا كان طفلك يعاني من حالة طبية مزمنة (مثل السكري أو ضعف المناعة).
- إذا كان الإسهال مصحوبًا بسعال مستمر أو أعراض برد تزداد سوءًا.
- إذا كان هناك شك بالتسمم الغذائي من طعام معين.
- إذا كان الاسهال عند الطفل يتكرر كثيراً حتى لو كان خفيفاً.
القلق الرئيسي هنا هو "المدة"، فالإسهال الحاد يجب أن يتحسن بمجرد التعامل معه، فإذا استمر إسهال الأطفال بعد بضعة أيام فإنه قد يكون طفيلياً أو بكتيريا ويتطلب علاجاً محدداً، أو قد يكون بداية لـ الإسهال المزمن عند الأطفال، وهو ما يتطلب فحصاً شاملاً للطفل عند الطبيب.
ما هي أنواع الاسهال عند الأطفال؟
نحتاج أولاً - لفهم كيفية إدارة الإسهال عند الأطفال بفاعلية - إلى تعريفه بشكل دقيق، وكأطباء نحن لا ننظر إلى جميع حالات الإسهال بنفس الطريقة بل نقوم بتصنيفها بناءً على عامل حاسم وهو "المدة الزمنية".
هذا التصنيف هو أول خطوة للحصول على التشخيص الصحيح لسبب الإسهال وبالتالي القدرة على علاجه بشكل أفضل وأكثر كفاءة، وإن معرفة ما إذا كنا نتعامل مع حالة حادة وعابرة أم حالة مزمنة ومستمرة يغير كل شيء من "الانتظار والترطيب" إلى "البحث عن السبب الكامن".
التصنيف الأساسي الذي نستخدمه في طب الأطفال هو:
- الإسهال الحاد (Acute Diarrhea).
- الإسهال المستمر أو المطوّل (Persistent/Prolonged Diarrhea).
- الإسهال المزمن (Chronic Diarrhea).
دعنا نوضح الفروقات بين كل نوع: الإسهال الحاد هو الأكثر شيوعاً ويُعرّف بأنه خروج البراز المائي في اليوم 3 مرات أو أكثر ويستمر لأيام قليلة ولكنه ينتهي في غضون 14 يوماً، أما الإسهال المستمر فهو الذي يتجاوز 14 يوماً، أما الإسهال المزمن عند الأطفال فهو الذي يستمر لمدة 4 أسابيع أو أكثر.
ما هي أسباب الاسهال عند الأطفال؟
من الأهمية بمكان أن ندرك أن إسهال الأطفال ليس مرضاً بحد ذاته بل هو "عرض"، أو بعبارة أخرى هو آلية دفاعية يحاول الجسم من خلالها طرد شيء ضار.
السبب الحقيقي الكامن خلف هذا العرض هو الذي يحدد شدة المرض ومدة استمراره، والأهم تحديد الخطة العلاجية المناسبة، والغالبية العظمى من الحالات الحادة التي نراها في عيادات الأطفال تكون بسبب عدوى، ولكن هناك أسباباً أخرى يجب أن نكون على دراية بها.
العدوى الفيروسية المسبب الرئيسي لإسهال الأطفال
هذا هو المتهم الأول بلا منازع في تسبيب الإسهال للأطفال، وهو ما يُعرف خطأً بـ "إنفلونزا المعدة"، هذه الفيروسات شديدة العدوى وتنتشر كالنار في الهشيم في الحضانات والمدارس، وأشهر الفيروسات المسببة لـ الإسهال عند الأطفال هي:
- فيروس الروتا (Rotavirus).
- النوروفيروس (Norovirus).
- الفيروس الغدي (Adenovirus).
- الفيروس النجمي (Astrovirus).
لابُد أن نتوقف قليلاً عند فيروس الروتا (Rotavirus) لأنه السبب الأكثر شيوعاً للإسهال الحاد الشديد لدى الأطفال، حيث أنه قبل توفر اللقاح كان كل طفل في أمريكا تقريباً يُصاب به قبل سن الخامسة.
يسبب هذا الفيروس إسهالاً مائياً شديداً وقيئاً (طرش) مما كان يؤدي إلى دخول المستشفى بمعدلات عالية بسبب الجفاف عند الأطفال، ولكن المفرح في الأمر هو وجود لقاح فعال ومتوفر ضد هذا الفيروس.
العدوى البكتيرية أو الطفيلية (التسمم الغذائي)
هذا السبب أقل شيوعاً من الفيروسي ولكنه غالباً ما يكون أكثر شدة وهذا ما نسميه عادة "التسمم الغذائي"، حيث ينتج عن تناول طعام أو ماء ملوث، هذا النوع من إسهال الأطفال غالباً (وليس دائماً) ما يكون مصحوباً بـ البراز الدموي.
من أشهر المسببات البكتيرية والطفيلية:
- بكتيريا السالمونيلا (Salmonella).
- بكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli).
- بكتيريا العطيفة (Campylobacter).
- بكتيريا الشيغيلا (Shigella).
- طفيل الجيارديا (Giardia).
وخلافاً للإسهال الفيروسي فإن بعض أنواع العدوى البكتيرية قد تتطلب مضادات حيوية ولكن هذا يقرره الطبيب فقط بعد التشخيص، فإعطاء المضادات الحيوية بشكل خاطئ قد يكون عديم الفائدة أو حتى ضاراً.
الإسهال عند الأطفال بعد المضادات الحيوية
هذا سيناريو شائع جداً حيث يكون السبب أن الآباء يعطون أحد أطفالهم مضاداً حيوياً لعلاج التهاب الأذن مثلاً، فيصاب الطفل بـ الإسهال، ويحدث هذا لأن المضادات الحيوية "واسعة الطيف" لا تفرق بين أنواع البكتيريا فهي تقتل البكتيريا الضارة و البكتيريا النافعة في الأمعاء.
هذا النوع من الإسهال يحدث لسببين رئيسيين:
- اختلال التوازن البكتيري المعوي (قتل البكتيريا النافعة).
- فرط نمو بكتيريا المطثية العسيرة (C. diff).
معظم حالات الإسهال عند الأطفال بعد المضادات الحيوية تكون خفيفة وتختفي بانتهاء جرعة المضاد الحيوي، ولكن عدوى المطثية العسيرة هي عدوى خطيرة ومعدية تسبب التهاب القولون وتتطلب علاجاً طبياً خاصاً، ولهذا السبب يُنصح باستخدام البروبيوتيك (Probiotics) بالتزامن مع المضادات الحيوية للحفاظ على صحة الأمعاء.
حساسية الطعام أو عدم تحمل اللاكتوز
أحياناً لا يكون إسهال الأطفال عدوى بل يكون عبارة عن رد فعل على الطعام، ولابد جداً من التمييز بين الحساسية (استجابة مناعية) وعدم التحمل (مشكلة هضمية).
الأسباب الهضمية الشائعة للإسهال عند الأطفال الناتج من التحسس هي:
- عدم تحمل اللاكتوز (Lactose intolerance).
- حساسية الحليب (Cow's Milk Allergy).
- حساسية القمح (الداء الزلاقي).
- حساسية الصويا.
يعتبر تحمل اللاكتوز (Lactose intolerance) هو الأشهر حيث يفتقر الجسم لإنزيم "اللاكتاز" لهضم سكر الحليب، وهذا يسبب غازات وانتفاخات وإسهالات.
ومما تجدر الإشارة إليه أن عدم تحمل اللاكتوز المؤقت يمكن أن يحدث أيضاً بعد نوبة إسهال فيروسي لأن العدوى تُدمّر بطانة الأمعاء التي تنتج هذا الإنزيم.
إسهال التسنين - حقيقة أم خرافة؟
هذا سؤال يأتيني يومياً: "يا دكتور ما هو شكل إسهال التسنين بالصور؟" ولنكن صادقين مع أنفسنا يربط قطاع واسع من الناس بشكل مباشر بين عملية التسنين وحدوث الإسهال عند الأطفال.
هذا الاعتقاد متجذر بعمق ولكنه طبياً غير دقيق ويحمل بعض الخطورة لأنه قد يدفع الأهل لتجاهل إسهال حقيقي يحتاج إلى علاج، ظناً منهم أنه مجرد تسنين.
دعنا نوضح الحقائق الطبية الفاصلة في هذه الخرافة الشائعة:
- التسنين لا يسبب الإسهال كعرض مباشر.
- التسنين يسبب أعراضاً خفيفة مثل سيلان اللعاب والتهيج، وربما ارتفاع طفيف جداً بالحرارة.
- الإسهال الذي يتزامن مع التسنين هو غالباً عدوى منفصلة.
إذاً لماذا هذه الخرافة منتشرة؟ الخرافة منتشرة بسبب التوقيت، حيث يبدأ الأطفال التسنين في نفس الوقت الذي يبدؤون فيه بوضع كل شيء في أفواههم (بما في ذلك أيديهم الملوثة) وهو ما يؤدي إلى التقاط العدوى، كذلك قد يؤدي اللعاب الزائد إلى جعل البراز ليناً قليلاً، ولكنه لا يسبب الإسهال للطفل بمعناه الحقيقي.
كما أشار الدكتور بابالاردو فإن الخطر يكون في أن الآباء يتجاهلون إسهالاً خطيراً باعتباره مجرد تسنين، وأن أي إسهال حقيقي يجب التعامل مع خطر الجفاف بغض النظر عما إذا كان هناك سن جديد يظهر أم لا.
خرافات شائعة يجب تجنبها عند التعامل مع الإسهال عند الأطفال
تنتشر المعلومات الخاطئة في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن العلاجات بنفس سرعة انتشار الفيروسات، وعندما يتعلق الأمر بـ الإسهال عند الأطفال فإن بعض "النصائح المتوارثة" ليست فقط غير فعالة، بل قد تكون ضارة بشكل نشط.
وإنني كطبيب فإن تصحيح هذه الخرافات هو جزء من عملي لا يتجزأ، لأن اتباع النصيحة الخاطئة من شأنه أن يحول الحالة البسيطة إلى حالة طارئة.
الخرافة الأولى - إعطاء الطفل دواء لإيقاف الإسهال فورا
رد الفعل الغريزي الأول للآباء هو أنهم يريدون إيقاف الإسهال مباشرة، ولهذا السبب أرى الكثير من الأهل دائماً يسألونني عن أدوية الإسهال للأطفال، ولكن هذا هو الخطأ الأكبر.
الإسهال هو آلية دفاع طبيعية للجسم لطرد الفيروس أو البكتيريا، ولهذا السبب فإن الأدوية المضادة للإسهال (مثل لوبراميد - Imodium) ممنوعة للأسباب التالية:
- هي غير آمنة للأطفال الصغار (أقل من سنتين أو 3 سنوات).
- يمكن أن تسبب آثاراً جانبية خطيرة (مثل شلل الأمعاء والخمول).
- تحمل "تحذير الصندوق الأسود" (US Boxed Warning) بسبب المخاطر على القلب.
- هي تحبس العدوى (البكتيريا أو الفيروس) داخل الجسم.
تحذر الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) بشدة من استخدام لوبراميد للأطفال الصغار، كما أنه حتى للأطفال الأكبر سناً (فوق 6 سنوات ) فيجب استخدامه فقط بعد استشارة الطبيب، حيث أن المخاطر (التي تصل إلى توقف القلب والموت المفاجئ) أكبر بكثير من أي فائدة محتملة، فأرجو منك أن تركز على تعويض السوائل وليس على إيقاف الإسهال.
الخرافة الثانية - إيقاف الرضاعة الطبيعية أثناء الإسهال
هذه خرافة خطيرة حيث يعتقد بعض الآباء أن الحليب (سواء الرضاعة الطبيعية أو الصناعية) يغذي الإسهال، ولكن العكس تماماً هو الصحيح، فإيقاف الرضاعة الطبيعية خطأ فادح للأسباب التالية:
- الرضاعة الطبيعية هي أفضل محلول جفاف طبيعي ومثالي للطفل.
- حليب الأم يزود الطفل بالأجسام المضادة التي تساعده على محاربة العدوى.
- يجب الاستمرار بالرضاعة الطبيعية وربما بشكل متكرر أكثر من المعتاد.
رابطة "لا ليتشي" والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تشير بشكل واضح وصريح بالاستمرار في الرضاعة، فهو السائل المناسب في حالات الإسهال حيث يمد الطفل بالتغذية المناسبة والدعم المناعي، وإيقاف الرضاعة يزيد من خطر الجفاف عند الأطفال وسوء التغذية، كما أن الأمر نفسه ينطبق على الحليب الصناعي ما لم يشتبه الطبيب بوجود مشكلة تحمل اللاكتوز.
الخرافة الثالثة - محلول الجفاف يعالج الإسهال نفسه
يحدث خلط شائع بين دور محلول معالجة الجفاف الفموي (ORS) وبين علاج الإسهال، إذ يظن الكثير من مقدمي الرعاية أن المحلول صُمم لإيقاف الإسهال مباشرة، وبرأيي الشخصي هذا سوء فهم دقيق ولكنه أساسي لأن الفارق بين المفهومين يحدد طريقة التعامل الصحيحة مع الحالة، والحقيقة هي أن:
- محلول الجفاف لا يوقف الإسهال.
- محلول الجفاف يعيد ما يفقده الجسم من سوائل وأملاح.
تُظهر دراسات أُجريت في الهند وكينيا أن نسبة كبيرة من مقدمي الرعاية تهدف إلى إيقاف الإسهال أولًا ويعتقدون أن محلول الجفاف (ORS) سيحقق ذلك، وعندما لا يحدث التوقف السريع للإسهال يتصور البعض أن المحلول "لم يُجْدِ نفعًا" فيَتوقفون عن إعطائه للطفل، وهذا ما دفعني للتأكيد على أن هذا المفهوم يحمل خطورة واضحة لأن الجفاف هو الخطر الحقيقي وليس الإسهال نفسه.
الخرافة الرابعة - تصويم الطفل وحرمانه من الطعام
تُظهر الخبرة الحديثة أنّ النصائح القديمة التي كانت تدعو إلى ما كان يسمى بـ "إراحة المعدة" لم تعد صائبة بعد أن أثبت العلم أن هذه الممارسة تُلحق ضررًا فعليًا بعملية التعافي.
وإن فكرة تصويم الطفل أثناء الإسهال عند الأطفال تبدو ضارة جدًا لأن الطفل يحتاج إلى طاقة من أجل مقاومة الالتهاب ولأن بطانة الأمعاء الملتهبة تحتاج إلى مغذيات لتبدأ عمليات الإصلاح والشفاء بشكل طبيعي، وحرمانها من هذه المغذيات يطيل فترة المرض ويزيد الإجهاد على الجسد.
وقد مررتُ بحالة مشابهة أثناء عملي، وأذكر أنني تابعت طفلًا تحسن بسرعة بعد إعادة تقديم الطعام المناسب بدل حرمانه منه، فتصويم الطفل المصاب بالإسهال مرفوض للأسباب التالية:
- التصويم لا يقصّر مدة الإسهال.
- الجسم يحصل على القدرة على محاربة العدوى وإصلاح بطانة الأمعاء من خلال السعرات والتغذية.
- الأطفال يحتاجون إلى الاستمرار في نظامهم الغذائي المناسب لأعمارهم.
تؤكد توصيات كل من المعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى (NIDDK) والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) على الاستمرار في تقديم نظام غذائي مناسب للطفل المصاب بالإسهال.
وبرأيي الشخصي فإن تجاهل هذا المبدأ يؤدي إلى نتائج عكسية لأن الصيام أو الحميات شديدة التقييد قد تسبب سوء تغذية وتؤخر التعافي وتزيد من خطر الجفاف لأن الأمعاء تحتاج إلى عناصر غذائية حقيقية لكي تلتئم.
الخرافة الخامسة - إعطاء مضادات حيوية بشكل عشوائي
يُعد هذا الأمر من القضايا الحرجة في طب الأطفال لأن الكثير من الأهالي يطلبون وصف المضادات الحيوية لمعالجة الإسهال عند الأطفال بسرعة، ويعتقدون أنها حل مباشر.
هذا الاعتقاد نابع غالبًا من الخوف والحرص، ومع ذلك فهو اعتقاد خاطئ ويحمل خطورة واضحة، فزيادة الاندفاع نحو المضادات دون تشخيص دقيق لا يخدم الطفل إطلاقًا، بل يسبب مشاكل طويلة المدى.
السبب واضح:
- معظم أسباب الإسهال عند الأطفال تكون فيروسية.
- المضادات الحيوية لا تقضي على الفيروسات لأنها مخصصة للبكتيريا فقط.
- الاستخدام العشوائي يؤدي إلى مقاومة المضادات الحيوية.
- المضاد الحيوي نفسه قد يسبب إسهالًا إضافيًا.
توضح مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) أن العلاج بالمضادات الحيوية ليس مطلوبًا في أغلب الحالات حتى عند الاشتباه في عدوى بكتيرية لأن كثيرًا من الحالات تُشفى تلقائيًا، وقد يكون إعطاء مضاد حيوي لفيروس مثل فيروس الروتا أمرًا غير مفيد على الإطلاق بل قد يسبب ضررًا أكبر لأنه يخل بتوازن البكتيريا النافعة في الأمعاء فتظهر حالة الإسهال عند الأطفال بعد المضادات الحيوية.
لذلك تُستخدم المضادات الحيوية فقط عند وجود عدوى بكتيرية أو طفيلية تم إثباتها بشكل واضح بعد التشخيص، ومما تجدر الإشارة إليه أنّ هذا التشخيص لا ينبغي أن يتم بناءً على التخمين بل وفق تقييم سريري وفحوصات دقيقة، فكر مليًا قبل أن تطلب مضادًا حيويًا بلا حاجة لأن الضرر قد يكون أشد من المرض نفسه.
الخرافة السادسة - استخدام أعشاب غير آمنة أو وصفات منزلية
يشعر بعض الناس بالإحباط عندما يسمعون توصية الطب الحديث التي تدعو إلى إعطاء الجسم الوقت ليستعيد توازنه تدريجياً، فيلجؤون إلى العلاجات المنزلية والتقليدية بحثاً عن حل سريع.
توجد وصفات بسيطة غير ضارة مثل ماء الأرز، ولكن تظهر مشكلة حقيقية عندما تُستخدم مشروبات أو أعشاب مجهولة أو يتم تحضير محاليل علاجية في المنزل دون معرفة دقيقة بالمقادير.
تظهر هذه المشكلة بوضوح في النقاط الآتية:
- المشروبات السكرية مثل بعض العصائر أو المشروبات الغازية تزيد من حدة الإسهال لأنها تحتوي على نسبة سكر مرتفعة تسحب الماء إلى داخل الأمعاء.
- الأعشاب غير المدروسة لا توجد دراسات كافية تثبت سلامتها للأطفال.
- طريقة تحضير محلول الجفاف في المنزل قد تصبح خطيرة في حال كان تركيز الملح أو السكر غير مضبوط.
العصائر والمشروبات الغازية تملك تركيبة تجعل حركة الماء تتجه نحو الأمعاء فيزداد الإسهال بدل أن يتحسن، بينما تبدو وصفات محلول الجفاف المنزلية في ظاهرها حلاً سهلاً ولكن الخطأ البسيط في الكمية قد يؤدي إلى خلل في الأملاح داخل الجسم.
يبقى الخيار الأكثر أماناً هو استخدام محلول معالجة الجفاف الفموي (ORS) الجاهز لأن الأكياس المعتمدة من منظمة الصحة العالمية مصنوعة وفق نسب دقيقة وثابتة بأسعار في متناول الجميع، ويختلف تأثيرها عن أي خليط منزلي قد يحمل مخاطر غير متوقعة إن لم تُضبط مكوناته بدقة.
كيفية علاج الإسهال للأطفال في البيت خطوة بخطوة
نركّز - بعد إزالة الخرافات الشائعة والخطيرة مثل استخدام الأدوية لإيقاف الإسهال أو تصويم الطفل - على الخطة الصحيحة المبنية على الأدلة العلمية لأن الهدف في علاج الإسهال عند الأطفال في المنزل مزدوج وواضح: ترطيب يعوّض ما يفقده الجسم ويمنع المضاعفات، وتغذية ملائمة تدعم شفاء الأمعاء واستعادة العافية
هذا النهج يخدم أسرًا كثيرة تتعامل مع المشكلة بصورة متكررة، وهذا ما دفعني لترتيب الخطوات بطريقة عملية يفهمها قطاع واسع من الأهالي دون لبس.
استخدام محلول معالجة الجفاف للأطفال (ORS)
تأتي هذه الأداة في الصدارة لأن محلول معالجة الجفاف الفموي (Oral Rehydration Solution - ORS) مثل بيديالايت مُصمَّم علميًا لتعويض النِّسَب الدقيقة من الملح والسكر والماء، ويختلف تمامًا عن المشروبات الرياضية أو العصير.
توضّح الخطة التالية كيفية استخدامه بفاعلية لكي يرتوي الطفل تدريجيًا من غير إرهاق لمعدته حيث ينجح التطبيق حين نلتزم بالتكرار والكميات الصغيرة دون استعجال:
- ابدأ بمحلول الجفاف عند أول علامة للإسهال المائي المتكرر.
- أعطِ طفلك كميات صغيرة ومتكررة 5 مل كل خمس دقائق.
- إذا تقيأ الطفل فانتظر عشر دقائق ثم استأنف بنفس الوتيرة.
- للرضع: من 60–120 مل بعد كل مرة إسهال كبيرة.
- للأطفال الأكبر سنًا: من 120–240 مل بعد كل مرة إسهال كبيرة.
لا تقدم محلول الجفاف سائلًا وحيدًا لمدة تتجاوز ست ساعات لأن الطفل يحتاج سعرات تضمن استمرار الطاقة داخل اليوم، والهدف العملي يصل إلى نحو 50 مل لكل كيلوجرام من وزن الجسم على مدى ثلاث إلى أربع ساعات عندما يكون الجفاف خفيفًا.
لابد أيضاً من الاستمرار في الرضاعة الطبيعية أو الحليب الصناعي جنبًا إلى جنب مع محلول الجفاف لأن الجمع بينهما هو حجر الزاوية في علاج الإسهال عند الأطفال.
التغذية السليمة أثناء نوبة الإسهال عند الأطفال
كما أسسنا في قسم الخرافات فإنه يجب عدم تصويم الطفل لأن الأمعاء تحتاج إلى الغذاء من أجل أن تستعيد وظيفتها وتشفى، فالهدف هو تقديم أطعمة خفيفة وسهلة الهضم وفي الوقت نفسه مغذية بحيث تزوّد الجسم بالطاقة اللازمة لمحاربة العدوى دون إرهاق الجهاز الهضمي الملتهب، ويتحقق بذلك توازن يساعد على تسريع الشفاء ويحمي الطفل من سوء التغذية.
نظام BRAT للتعامل مع الإسهال عند الأطفال
تُعرف حمية "برات" BRAT بأنها قائمة تعتمد على أربعة أطعمة:
- الموز Bananas
- والأرز Rice
- وصلصة التفاح Applesauce
- والخبز المحمص Toast
تمتاز هذه الأصناف بكونها منخفضة الألياف وذات طبيعة نشوية لطيفة على الجهاز الهضمي، فيساعد ذلك على زيادة تماسك البراز عند الطفل المصاب بالإسهال، كما أنّ الموز يحتوي على البوتاسيوم الذي يُفقد بكثرة أثناء الإسهال.
إلا أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال لا توصي اليوم بالاعتماد على هذه الحمية وحدها لأنها محدودة جدًا ولا توفّر العناصر الأساسية مثل البروتين والكالسيوم والدهون الصحية، فيمكن استخدامها خلال اليوم الأول ثم الانتقال تدريجيًا إلى نظام غذائي أكثر توازنًا وتنوّعًا.
الأطعمة النشوية
تأتي أهمية حرف R في "BRAT" (الأرز) من كون الأطعمة النشوية من أفضل الخيارات في هذه المرحلة، ويفسّر ذلك سبب شيوع وصفات مثل ماء الأرز أو حساء الأرز في التعامل مع الإسهال؛ لأن امتصاص النشويات المتعددة غالبًا ما يكون أسهل على الأمعاء الحساسة من امتصاص السكريات البسيطة.
من الأمثلة لأطعمة نشوية لطيفة على المعدة:
- البطاطس المسلوقة أو المهروسة.
- المعكرونة Pasta.
- حبوب الإفطار المطهوّة مثل الشوفان أو كريمة القمح.
- المقرمشات المملحة Saltines / Pretzels.
تعد هذه الأصناف مناسبة لأنها لا تجهد الجهاز الهضمي إضافة إلى أن الملح الموجود في بعض المقرمشات قد يساعد في تعويض جزء من الصوديوم المفقود.
ويمكن كذلك تجربة طريقة عمل الأرز بالليمون للإسهال لأنها تعتمد على الأرز ومكوّن قابض لطيف، ويبقى الهدف هو العودة إلى نظام غذائي طبيعي ومتنوّع بمجرد تحسن شهية الطفل.
هل الزبادي مفيد لعلاج الإسهال عند الأطفال؟
هذا السؤال متكرر جداً والإجابة عليه واضحة وهي نعم، حيث أن الزبادي لعلاج الإسهال عند الأطفال يُعد خياراً مفيداً في أغلب الحالات خصوصاً النوع الذي يحتوي على مزارع بكتيرية حية ونشطة.
هذه البكتيريا النافعة المعروفة باسم البروبيوتيك (Probiotics) تساهم في استعادة التوازن البكتيري الصحي داخل الأمعاء، كما تقلل مدة الإسهال، وتساعد أيضاً في علاج الإسهال عند الأطفال بعد المضادات الحيوية لأن المضادات تقضي على البكتيريا الضارة والمفيدة معاً.
أظهرت مراجعة علمية من "كوكرين" (Cochrane Review) أن البروبيوتيك يمكن أن تقلل مدة الإسهال بنحو يوم واحد تقريباً، وهي فعالة بشكل خاص في الوقاية من الإسهال المرتبط بالمضادات الحيوية.
من الأفضل اختيار الزبادي العادي غير المحلى لأنه يحتوي على البكتيريا النافعة دون سكريات مضافة، كما تُعتبر البروبيوتيك آمنة عادة للأطفال الأصحاء، بينما يُنصح بالحذر عند استخدامها للأطفال ذوي المناعة الضعيفة.
أطعمة ومشروبات يجب تجنبها إذا كان كان طفلك يعاني من الإسهال
الأطعمة التي تُمنع عن الطفل لا تقل أهمية عن تلك التي تقدم له، لأن بعض المكونات يمكن أن تزيد الإسهال عند الأطفال سوءاً، فأكثر ما يفاقم الحالة هو السكر لأن الجهاز الهضمي في هذه المرحلة يكون ملتهباً، وعندما تدخل السكريات البسيطة تسحب الماء إلى داخل الأمعاء بفعل الخاصية الأسموزية فيصبح البراز أكثر سيولة.
وأبرز الأطعمة والمشروبات التي يجب تجنبها مؤقتاً إذا كان كان طفلك يعاني من الإسهال ما يلي:
- المشروبات السكرية مثل العصائر والصودا والمشروبات الرياضية.
- الأطعمة المقلية والغنية بالدهون.
- الأطعمة الحارة.
- منتجات الألبان مثل الحليب والجبن (بشكل مؤقت).
- بعض الفواكه كالعنب والبرقوق، والخضروات المسببة للغازات مثل البروكلي والفاصوليا.
تُعد المشروبات السكرية الأسوأ لأنها تزيد الإسهال الأسموزي وتجعل الحالة أكثر حدة، ويظن بعض الآباء أن العصائر أو المشروبات الرياضية تساعد في الترطيب، إلا أن محتواها العالي من السكر يؤدي إلى نتيجة عكسية، والخيار الأفضل هو الالتزام بمحلول الإرواء الفموي (ORS) والماء النقي للحفاظ على الترطيب بشكل آمن وفعال.
كيفية الوقاية من الإسهال عند الأطفال
تُعد الوقاية من الإسهال عند الأطفال الخيار الأذكى والأكثر فاعلية مقارنةً بالدخول في دوامة العلاج والقلق، ولحسن الحظ فإن الطريقتين الأكثر نجاحًا في الوقاية ليستا مكلفتين أو معقدتين، بل هما إجراءات بسيطة مثبتة علميًا أثبتت قدرتها على إنقاذ ملايين الأطفال حول العالم.
ويعني تطبيق هذه الإجراءات حماية الطفل من العدوى الأولية وبالتالي حمايته من خطر الجفاف ومضاعفاته، وأهم خطوط الدفاع تشمل ما يلي:
- غسل اليدين بالماء والصابون.
- التطعيم ضد فيروس الروتا (Rotavirus).
- التأكد من سلامة الغذاء ومياه الشرب.
- تشجيع الرضاعة الطبيعية.
يُعد غسل اليدين خطوة محورية في الوقاية، إذ تشير تقارير مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) إلى أن هذه العادة البسيطة يمكنها أن تحمي واحدًا من كل ثلاثة أطفال صغار يصابون بالإسهال، وهو رقم يعكس مدى قوتها في الحماية. لذلك يجب تعليم الطفل غسل يديه جيدًا بعد استخدام الحمام وقبل تناول الطعام دائمًا.
أما لقاح فيروس الروتا فهو إنجاز طبي بارز، يُعطى فمويًا للرضع ويوفر حماية قوية ضد أشد أشكال الإسهال الفيروسي خطورة. هذه الوقاية لا تحمي الطفل من المرض فحسب، بل تقلل أيضًا من الحاجة إلى استخدام المضادات الحيوية بشكل عام وهو ما يساعد في الحفاظ على فعاليتها عندما تكون ضرورية حقًا.
الإسهال المزمن عند الأطفال - كيف يكون؟
ركزنا في هذا المقال على الإسهال الحاد الذي يستمر عادةً لأيام قليلة ثم ينتهي، ولكن هناك حالات يبدو فيها أن الإسهال عند الأطفال لا يتوقف، ويستمر لأسابيع متتالية.
في هذه الحالة نغادر نطاق العدوى الفيروسية العابرة وندخل نطاقًا مختلفًا تمامًا يحتاج إلى تقييم طبي دقيق، وهو نطاق الإسهال المزمن عند الأطفال الذي غالبًا يشير إلى مشكلة كامنة في الجهاز الهضمي أو في الجهاز المناعي، وهذه الصورة تستحق الاهتمام لأنها لا تُصنّف كحدث مؤقت بل كعرض يعكس اضطرابًا أعمق يحتاج إلى تشخيص واضح.
متى يعتبر الإسهال مزمناً؟
كما أوضحنا سابقًا في جزء تصنيف الأنواع، فإن المدة الزمنية هي المؤشر الأساسي هنا، فالتعريفات قد تختلف قليلاً بين المصادر ولكن هناك اتفاق طبي واضح بأن الإسهال يعتبر مزمناً إذا:
- كان البراز رخوًا أو مائيًا 3 مرات أو أكثر يوميًا.
- استمرت هذه الأعراض مدة 4 أسابيع (شهر) أو أكثر.
أما الفرق الجوهري فهو أن الإسهال الحاد غالبًا ينتج عن عدوى، بينما الإسهال المزمن يشير عادةً إلى اضطراب داخلي غير معدي، له أسبابه الوظيفية أو المناعية أو الهيكلية، وهذا النوع يحتاج إلى تقييم طبي كامل لا يمكن تأجيله.
أسباب الإسهال المتكرر عند الأطفال بدون حرارة
عندما نلاحظ الإسهال المتكرر عند الأطفال بدون حرارة فإن غياب الحرارة يعد دليلًا مهمًا، فهو يشير إلى أن السبب في الأغلب لا يتعلق بعدوى حادة بل يرتبط بمشكلة في امتصاص الغذاء أو حساسية معينة أو حالة مناعية ذاتية تؤثر في الأمعاء.
الأسباب الأكثر شيوعًا التي نبحث عنها تشمل:
- إسهال الأطفال الصغار (Toddler’s Diarrhea).
- الداء الزلاقي (Celiac Disease).
- داء الأمعاء الالتهابي (IBD) مثل كرون أو التهاب القولون التقرحي.
- متلازمة القولون العصبي (IBS).
- حساسيات الطعام الشديدة.
دعنا نوضح الفرق بين هذه الحالات: إسهال الأطفال الصغار (Toddler’s Diarrhea) قد يبدو مقلقًا للوهلة الأولى ولكنه غالبًا غير خطير حيث يحدث بسبب عدم نضج الجهاز الهضمي أو بسبب نظام غذائي منخفض الدهون وعالي الألياف أو نتيجة تناول كميات كبيرة من العصائر، والطفل في هذه الحالة يكون نشيطًا وينمو بشكل طبيعي دون تأخر.
أما الداء الزلاقي وداء الأمعاء الالتهابي فهما حالتان مختلفتان تمامًا من أمراض المناعة الذاتية، فهذه الحالات تسبب التهابًا مؤلمًا في الأمعاء وقد يظهر معها براز دموي مع بطء في النمو وضعف شهية وفقدان وزن، وهنا لا بد من تدخل طبي وتشخيص متخصص لأن تأثيرها يتجاوز الجهاز الهضمي ليشمل الصحة العامة للطفل بشكل كامل.
نصائح مهمة للتعامل مع الإسهال للأطفال في المنزل
غطّينا الخطة الطبية الأساسية التي ترتكز على الترطيب والتغذية لذلك جاء وقت الحديث عن «الرعاية التمريضية» العملية في المنزل، وتحتفظ هذه النصائح بالأهمية نفسها لأنها تُعنى براحة الطفل وتعمل على منع المضاعفات الثانوية المزعجة مثل تسلخات الحفاض، كما توضح متى يعود الطفل بأمان إلى روتينه الطبيعي دون نقل العدوى للآخرين، وإليكِ ملخصًا لأهم الإرشادات العملية:
- ركّزي على السوائل (ORS) وتابعي علامات الجفاف.
- لا تمنعي الطعام عن طفلك المصاب بالاسهال وقدّمي الأطعمة النشوية.
- تجنّبي أدوية إيقاف الإسهال.
- عالجي تسلخات الحفاض الناتجة عن الإسهال.
- اعرفي متى يمكنه العودة إلى المدرسة أو الحضانة.
توجد نقطتان حاسمتان هنا؛ تأتي تسلخات الحفاض أولًا لأن الإسهال عند الأطفال يكون حمضيًا ومهيجًا للجلد لذلك غيّري الحفاضات بشكل متكرر جدًا ونظّفي برفق والأهم أن تضعي طبقة سميكة من كريم عازل (مثل تغطية الكعكة) يحتوي على أكسيد الزنك لحماية الجلد.
وتأتي مسألة العودة للمدرسة ثانيًا وفق قاعدة واضحة هي أن يكون الطفل بلا حمى لمدة 24 ساعة وأن يكون الإسهال تحت السيطرة أو متوقفًا ثم يُسمح بالعودة بينما يمنع إرسال طفل يعاني من إسهال مائي نشط إلى الحضانة.
أسئلة شائعة وهامة حول الإسهال عند الأطفال
يصل إلى الأطباء عدد كبير من الأسئلة المتكررة بخصوص الإسهال عند الأطفال لأن هذه الحالة شائعة وتسبب الكثير من القلق لدى الآباء والأمهات، حيث تساعد هذه الإجابات المبسطة في اتخاذ قرارات يومية سريعة، مع ضرورة الرجوع إلى طبيب طفلك من أجل التقييم الدقيق للحالة عند الحاجة.
كم يوم يستمر الإسهال الطبيعي عند الأطفال؟
تتوقف مدة الإسهال عند الأطفال على نوع الفيروس المسبب لأن كل عدوى تمتلك نمطًا زمنيًا مختلفًا، وغالبًا ما يستمر الإسهال الفيروسي الحاد بين 3 و8 أيام، فمثلًا فيروس الروتا (Rotavirus) قد يستمر من 5 إلى 7 أيام، بينما يكون النوروفيروس (Norovirus) أقصر عادة ويتراوح بين يوم و3 أيام. وتشير بعض المصادر الطبية إلى أن الإسهال قد يمتد حتى 10 أيام من دون أن يُعتبر خطرًا ما دامت الأعراض - وخاصة خطر الجفاف - تحت السيطرة، أما إذا تجاوزت الحالة 14 يومًا فإن الإسهال يُصنف حينها كمزمن ويتطلب تقييماً طبياً دقيقاً لمعرفة السبب الأساسي.
ما هو علاج الإسهال عند الأطفال عمر سنتين؟
يتركز علاج الإسهال عند الأطفال عمر سنتين على هدف واحد أساسي هو الوقاية من الجفاف، ولذلك لابُد من إعطاء الطفل محلول الإرواء الفموي (ORS) على جرعات صغيرة ومتكررة لضمان امتصاص السوائل بشكل فعّال، ويُنصح بالاستمرار في تقديم الطعام المعتاد مع تجنب السكريات والعصائر لأنها تزيد حركة الأمعاء. في هذا العمر بالتحديد يُلاحظ كثيراً ما يُعرف باسم "إسهال الأطفال الصغار" الناتج عن الإفراط في شرب العصائر، لذلك تكون أول خطوة علاجية صحيحة هي التوقف عن تقديم العصائر تمامًا والاعتماد على الماء والحليب كمصدرين آمنين للسوائل.
ما هو أفضل دواء للإسهال المائي للأطفال؟
أفضل علاج للإسهال المائي عند الأطفال لا يكون عادةً في شكل دواء بل في محلول الإرواء (ORS)، إذ أثبت فعاليته العالية في تعويض السوائل والأملاح المفقودة من دون أي آثار جانبية تذكر. لا يُنصح طبيًا بإعطاء أدوية الإسهال للأطفال التي تُوقف حركة الأمعاء مثل لوبراميد، لأن هذه الأدوية تكون خطيرة في هذا العمر، فالإسهال المائي في حد ذاته يعتبر وسيلة طبيعية يتخلص بها الجسم من الفيروس، لذلك تبقى مهمتك الحقيقية هي تعويض السوائل المفقودة والمحافظة على ترطيب الطفل إلى أن تزول العدوى تلقائيًا.
ما هو العصير الذي يوقف الإسهال؟
لا يوجد عصير يقوم بإيقاف الإسهال، بل إن معظم العصائر تزيد الحالة سوءًا لأن عصائر التفاح والكمثرى والعنب تحتوي على سكريات عالية السحب تجذب الماء داخل الأمعاء، فينتج عن ذلك زيادة حجم البراز واستمرار الإسهال بدل تحسينه. لذلك يُعتمد خلال فترة الإسهال على الماء أو محلول الجفاف (ORS) أو الرضاعة الطبيعية أو الحليب الصناعي فقط لضمان الحفاظ على السوائل وتعويض الأملاح المفقودة.
ما هو أفضل مشروب يوقف الإسهال عند الأطفال؟
لا يوجد مشروب يمكنه إيقاف الإسهال مباشرة، ولكن هناك مشروب يساعد على حماية الطفل من الجفاف وهو محلول معالجة الجفاف الفموي (ORS) مثل بيديالايت. صُمم هذا المحلول بعناية ليحتوي على نسب دقيقة ومتوازنة من الأملاح والسكريات تعوّض ما يفقده الجسم أثناء الإسهال وتحافظ على توازن السوائل في الجسم. ينبغي تجنب المشروبات الغازية والمشروبات الرياضية لأنها تحتوي نسبًا مرتفعة وغير مناسبة من السكر والأملاح وهو ما يزيد من فقدان جسم الطفل للسوائل ويُفاقم حالة الجفاف بدلاً من معالجتها.
هل النشا يوقف الإسهال عند الأطفال؟
يساعد تناول الأطعمة النشوية على زيادة تماسك البراز ودعم الجهاز الهضمي خلال نوبات الإسهال، وهو الأساس الذي يقوم عليه نظام BRAT الذي يتضمن الأرز والخبز والموز والتفاح المهروس. ويُعد ماء الأرز أو شوربة الأرز من الوسائل المنزلية المفيدة التي أظهرت الدراسات قدرتها على تقليل عدد مرات البراز المائي خلال فترة الإسهال، وهو ما يجعلها خيارًا بسيطًا وآمنًا يمكن الاعتماد عليه ضمن خطة التغذية أثناء التعافي.
هل الإسهال الأخضر عند الأطفال خطير؟
لا يُعتبر الإسهال الأخضر عند الأطفال حالة خطيرة بحد ذاته لأن اللون الأخضر غالبًا ما ينتج عن مرور الطعام بسرعة عبر الأمعاء دون أن تأخذ العصارة الصفراوية الوقت الكافي لتتحول إلى اللون البني المعتاد، وقد يظهر اللون الأخضر أيضًا بسبب تناول الطفل أطعمة خضراء أو مكملات الحديد. الألوان التي تستوجب القلق والانتباه الحقيقي هي الأحمر أو الأسود أو الأبيض لأنها قد تدل على وجود نزيف أو مشكلة في امتصاص الصفراء وتحتاج إلى مراجعة الطبيب فورًا.
ما الفرق بين الإسهال والإمساك عند الأطفال؟
يُعرَّف الإسهال عند الأطفال بأنه خروج براز مائي أو سائل متكرر ثلاث مرات أو أكثر في اليوم الواحد، بينما يُعد الإمساك حالة يخرج فيها الطفل برازًا صلبًا وجافًا يسبب الألم أثناء الإخراج وتكون وتيرته أقل من المعدل الطبيعي. وفي بعض حالات الإمساك المزمن قد يحدث تسرب للبراز السائل حول الكتلة الصلبة المتراكمة داخل الأمعاء وهو ما يجعل الحالة تبدو ظاهريًا كأنها إسهال، ويُعرف هذا الاضطراب باسم التغوط اللاإرادي (Encopresis).
الخاتمة
الإسهال عند الأطفال يعتبر تجربة مقلقة لكنها في أغلب الحالات حالة قابلة للسيطرة في المنزل لأن العدو الأول ليس الإسهال بل الجفاف، لذلك وجّه اهتمامك إلى تعويض السوائل بمحلول الارواء (ORS) مع الاستمرار في التغذية السليمة وترك الخرافات مثل التصويم وصرف الأدوية بلا حاجة، وعند شعورك بالشك اتصل بطبيب الأطفال فورًا لأن السلامة أولًا.
إخلاء المسؤولية
المعلومات الواردة في هذا المقال على موقع كبسولة مخصصة للتثقيف الصحي فقط، ولا تُعد بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة، وإن الإسهال عند الأطفال قد يكون ناتجًا عن أسباب مختلفة، وما ذُكر هنا قد لا ينطبق على حالة طفلك بشكل دقيق، لذلك نوصي بمناقشة أي أعراض أو طرق علاج مع طبيب الطفل ليتم تحديد الخطة التشخيصية والعلاجية الأنسب لحالته.
قائمة المصادر
American Academy of Pediatrics. (2021, October 15). Rotavirus Vaccine Information Statement. U.S. Department of Health and Human Services, Centers for Disease Control and Prevention. Retrieved from https://www.cdc.gov/vaccines/hcp/current-vis/rotavirus.html
Centers for Disease Control and Prevention (CDC). (2003, November 28). Managing Acute Gastroenteritis Among Children: Oral Rehydration, Maintenance, and Nutritional Therapy. MMWR Recommendations and Reports, 52(RR-16), 1–16. Retrieved from https://www.cdc.gov/mmwr/preview/mmwrhtml/rr5216a1.htm
HealthyChildren.org (American Academy of Pediatrics). (n.d.). Diarrhea. Retrieved from (https://www.healthychildren.org/English/health-issues/conditions/abdominal/Pages/Diarrhea.aspx)
King, C. K., Glass, R., LeBaron, C. W., & Duggan, C. (2012). The Management of Acute Gastroenteritis in Children: Oral Rehydration, Maintenance, and Nutritional Therapy. American Family Physician, 85(11), 1066. Retrieved from https://www.aafp.org/pubs/afp/issues/2012/0601/p1066.html
Mayo Clinic. (2025, May 2). Dehydration: Symptoms and causes. Retrieved from https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/dehydration/symptoms-causes/syc-20354086
National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases (NIDDK). (2019, May). Eating, Diet, & Nutrition for Diarrhea. Retrieved from https://www.niddk.nih.gov/health-information/digestive-diseases/diarrhea/eating-diet-nutrition
National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases (NIDDK). (2017, February). Symptoms & Causes of Chronic Diarrhea in Children. Retrieved from https://www.niddk.nih.gov/health-information/digestive-diseases/chronic-diarrhea-children/symptoms-causes
Nemours KidsHealth. (2021, May). Diarrhea (For Parents). Retrieved from https://kidshealth.org/en/parents/diarrhea.html
Johnston, B. C., Lytvyn, L., Lo, C. K., et al. (2018). Probiotics for the prevention of antibiotic-associated diarrhea in children. Cochrane Database of Systematic Reviews, (11), CD004827. Retrieved from ((https://www.cochranelibrary.com/cdsr/doi/10.1002/14651858.CD004827.pub4/full))
World Health Organization (WHO). (2022, May 10). Diarrhoeal disease. Retrieved from https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/diarrhoeal-disease










إرسال تعليق