مرحباً بك، إننا ندرك تماماً أن البحث عن معلومات حول أعراض مرض السكري في بدايته يكون مصحوباً أحياناً بالقلق والعديد من التساؤلات، لكن من المهم أن تعلم أن معرفة هذه الأعراض وفهمها هي الخطوة الأولى والأساسية نحو التحكم بصحتك ومستقبلك، كما أن الكشف المبكر مهم جداً بل هو أقوى أداة تملكها لمواجهة هذا التحدي وتجنب المضاعفات الخطيرة التي قد تنشأ على المدى الطويل.
تشير الإحصاءات الصادرة عن الاتحاد الدولي للسكري إلى أن هناك 85 مليون شخص بالغ يعيشون مع مرض السكري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحدها، ومن المتوقع أن يقفز هذا الرقم إلى 163 مليون بحلول عام 2050، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن واحداً من كل ثلاثة بالغين مصابين بالسكري في المنطقة لا يعلمون بإصابتهم.
مقالنا هذا على موقع كبسولة سيكون دليلك الكامل والشامل والمفصّل، صُمّم ليكون مرجعك الموثوق، حيث يزودك بالمعرفة اللازمة للتعرف على العلامات التحذيرية المبكرة، وفهم أسبابها، وتوجيهك نحو الخطوات الصحيحة التالية، فتابع معنا وثقف نفسك.
لماذا تظهر هذه الأعراض؟ فهم مبسط لدور الأنسولين وارتفاع سكر الدم
قبل استعراض قائمة الأعراض من الضروري فهم الآلية الأساسية التي تؤدي لظهورها، حيث يمكن تخيل الجسم كمدينة ضخمة تحتاج خلاياها إلى وقود الجلوكوز المأخوذ من الطعام لتعمل بكفاءة ، لكن هذا الوقود لا يستطيع دخول الخلايا بمفرده بل يحتاج إلى "مفتاح" خاص لفتح أبوابها.
يعمل هرمون الأنسولين الذي يفرزه البنكرياس بمثابة "مفتاح" يساعد الجلوكوز على الانتقال من الدم إلى الخلايا لاستخدامه كطاقة بعد تناول الوجبات، وتكمن مشكلة مرض السكري في هذا النظام الدقيق نتيجة لأحد سببين رئيسيين:
- في السكري من النوع الأول: يقوم جهاز المناعة في الجسم بمهاجمة خلايا البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين ويدمرها، مما يؤدي إلى غياب شبه كامل للأنسولين، وهنا يختفي "المفتاح" تمامًا.
- في السكري من النوع الثاني: تبدأ خلايا الجسم في مقاومة تأثير الأنسولين فلا تستجيب له كما ينبغي، حيث أنه في البداية يحاول البنكرياس التعويض عن طريق إنتاج كميات أكبر من الأنسولين، لكن مع مرور الوقت يُرهَق ويعجز عن مواكبة هذه المقاومة، فتقل قدرته على إنتاج كمية كافية من الأنسولين، وهنا يصبح "المفتاح" غير فعال.
في كلتا الحالتين تكون النتيجة واحدة وهي تراكم الجلوكوز بكميات كبيرة في مجرى الدم (وهو ما يُعرف بارتفاع سكر الدم أو فرط سكر الدم) بينما تظل خلايا الجسم محرومة من الطاقة التي تحتاجها، وهذا الخلل المزدوج - ارتفاع السكر في الدم مع حرمان الخلايا من الطاقة - هو المحرك الأساسي لجميع الأعراض التي سيتم مناقشتها بالتفصيل.
الأعراض الأولية المشتركة لمرض السكري - 8 علامات تحذيرية يجب الانتباه إليها
تنشأ الأعراض المبكرة لمرض السكري مباشرةً من محاولة الجسم التعامل مع ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم وحرمان الخلايا من الطاقة، ورغم أنها قد تبدو غير مترابطة في البداية إلا أن فهم الآلية المذكورة سابقًا يوضح كيف أن كل عرض هو جزء من صورة أكبر.
1. العطش الشديد (Polydipsia) وكثرة التبول (Polyuria)
من أبرز العلامات المبكرة وأكثرها شيوعًا هو الشعور بعطش شديد لا يرتوي مهما شربت من الماء، ويصاحبه حاجة ملحة ومستمرة للتبول حتى في أثناء الليل، مما قد يوقظك من النوم مرارًا وتكرارًا. قد يبدو الأمر محيرًا لكن هذين العرضين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ويعملان كدورة مغلقة.
السبب الفسيولوجي وراء ذلك هو أن ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم يضع عبئًا هائلاً على الكليتين، حيث أنه في الحالة الطبيعية تقوم الكلى بترشيح الدم وإعادة امتصاص الجلوكوز بالكامل، لكن عندما يتجاوز مستوى الجلوكوز حدًا معينًا تعجز الكلى عن مواكبة الأمر، فيبدأ الجلوكوز الزائد بالتسرب إلى البول.
ولأن الجلوكوز مادة جاذبة للماء فإنه يسحب معه كميات كبيرة من سوائل الجسم أثناء خروجه مما يؤدي إلى زيادة كمية البول بشكل ملحوظ (كثرة التبول)، وهذا الفقدان المستمر للسوائل يسبب جفاف الجسم والذي بدوره يرسل إشارات قوية إلى الدماغ بأنك بحاجة إلى شرب المزيد من الماء مما يسبب الشعور بالعطش الشديد.
2. الجوع المفرط (Polyphagia)
قد تجد نفسك تشعر بجوع شديد ومستمر حتى بعد تناول وجبة دسمة بوقت قصير، هذا الشعور بالجوع المفرط - المعروف طبيًا باسم "Polyphagia" - ليس جوعًا عاديًا بل هو صرخة استغاثة من خلايا جسمك.
على الرغم من وجود وفرة من وقود الطاقة (الجلوكوز) في مجرى الدم إلا أن مشكلة الأنسولين تمنع هذا الوقود من دخول الخلايا لتغذيتها، ونتيجة لهذه "المجاعة الخلوية" تستمر خلايا الجسم في إرسال إشارات عصبية إلى الدماغ تخبره بأنها بحاجة ماسة إلى الطاقة.
فيستجيب الدماغ لهذه الإشارات بإثارة شعور قوي بالجوع في محاولة يائسة لدفعك لتناول المزيد من الطعام للحصول على الطاقة التي تفتقدها الخلايا، وهذا يفسر لماذا قد يستمر الشعور بالجوع حتى مع تناول كميات كافية من الطعام.
3. التعب والإرهاق الشديد
الشعور بإرهاق وتعب شديدين لا يتناسب مع المجهود المبذول ولا يتحسن حتى مع الحصول على قسط كافي من النوم هو أحد الأعراض المحورية لمرض السكري، وهذا الإرهاق ليس تعباً عابراً بل هو شعور عميق بنفاد الطاقة يؤثر على قدرتك على أداء مهامك اليومية.
ينبع هذا الإرهاق من سببين رئيسيين مترابطين:
- السبب الأول والأكثر مباشرة هو حرمان خلايا الجسم من مصدرها الأساسي للطاقة وهو الجلوكوز، فعندما لا يتمكن الجلوكوز من دخول الخلايا فإن الجسم يعمل بوقود غير كافي تمامًا كسيارة نفد منها البنزين.
- أما السبب الثاني فهو الجفاف الناتج عن كثرة التبول، فالجفاف بحد ذاته يسبب شعورًا بالخمول والضعف العام ويقلل من كفاءة وظائف الجسم مما يضاعف من الإحساس بالإرهاق.
هذا التعب المستمر يؤثر سلبًا على الحالة النفسية والجسدية، الأمر الذي يجعل من الصعب ممارسة الأنشطة اليومية الضرورية كالتمرينات الرياضية، والتي تساعد في التحكم بمستويات السكر مما قد يخلق حلقة مفرغة من التعب وتدهور الحالة.
4. فقدان الوزن غير المبرر
من الأعراض التي تثير القلق بشكل خاص هو فقدان الوزن السريع والملحوظ دون أي محاولة منك لإنقاصه، بل قد يحدث هذا على الرغم من زيادة شهيتك وتناولك كميات أكبر من الطعام، هذه العلامة تكون أكثر وضوحًا وبروزًا في حالة السكري من النوع الأول.
فعندما يكون هناك غياب شبه كامل للأنسولين (كما في النوع الأول) فإن الجسم يدخل في حالة طوارئ بحثًا عن مصدر بديل للطاقة لتعويض نقص الجلوكوز في الخلايا، وفي هذه الحالة يبدأ الجسم في تكسير مخازن الدهون والأنسجة العضلية وتحويلها إلى طاقة قابلة للاستخدام.
هذه العملية لا تؤدي فقط إلى فقدان سريع للوزن بل تنتج أيضًا مركبات ثانوية تسمى الكيتونات والتي يمكن أن تتراكم في الدم وتسبب حالة خطيرة تُعرف بـ "الحماض الكيتوني السكري".
5. ضبابية الرؤية
قد تلاحظ أن رؤيتك أصبحت ضبابية أو غير واضحة وقد تظهر هذه المشكلة وتختفي، ورغم أن هذا العرض قد يكون مقلقًا إلا أنه في البداية يكون غالبًا مؤقتًا وقابلًا للعلاج.
السبب المباشر لضبابية الرؤية في المراحل المبكرة هو تأثير ارتفاع سكر الدم على توازن السوائل في الجسم، حيث أن ارتفاع السكر يسحب السوائل من أنسجة الجسم المختلفة بما في ذلك عدسة العين، وهذا التغير في محتوى السوائل يؤدي إلى انتفاخ العدسة وتغير شكلها مما يؤثر على قدرتها على تركيز الضوء بشكل صحيح، فتصبح الرؤية ضبابية.
ولكن يجب التعامل مع هذا العرض بجدية تامة، فهو لا يعتبر إزعاج مؤقت بل قد يكون أول إنذار لحالة أكثر خطورة تسمى "اعتلال الشبكية السكري"، فإذا استمر ارتفاع سكر الدم لفترات طويلة دون علاج فإنه يلحق ضررًا دائمًا بالأوعية الدموية الدقيقة في شبكية العين وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى فقدان البصر.
6. بطء التئام الجروح والتقرحات
من العلامات التي لا يلتفت إليها الكثيرون في البداية هو ملاحظة أن الجروح البسيطة كالخدوش أو التقرحات تستغرق وقتًا أطول من المعتاد للشفاء، وهذه ليست مصادفة بل هي نتيجة مباشرة لتأثير ارتفاع سكر الدم على قدرة الجسم على إصلاح نفسه.
يؤثر ارتفاع سكر الدم على عملية الشفاء من عدة جوانب:
- أولاً: ارتفاع سكر الدم يُضعف الدورة الدموية خاصة في الأطراف كاليدين والقدمين مما يقلل من وصول الأكسجين والمواد المغذية الضرورية إلى منطقة الجرح لإعادة بناء الأنسجة.
- ثانيًا: فرط سكر الدم يلحق الضرر بالأعصاب (الاعتلال العصبي) مما يقلل من الإحساس في تلك المناطق وقد لا تشعر بالجرح عند حدوثه.
- ثالثًا: زيادة سكر الدم تضعف وظيفة الجهاز المناعي مما يجعل الجروح أكثر عرضة للالتهابات البكتيرية والفطرية وهذا بدوره يعيق عملية الشفاء.
7. تكرار الإصابة بالعدوى
إذا لاحظت أنك أصبحت أكثر عرضة للإصابة بالعدوى بشكل متكرر مثل التهابات الجلد أو التهابات اللثة أو التهابات المسالك البولية فقد يكون ذلك مرتبطًا بارتفاع مستويات السكر في دمك.
السبب في ذلك هو أن ارتفاع نسبة الجلوكوز في الجسم يوفر بيئة غنية ومثالية لنمو وتكاثر الكائنات الدقيقة كالبكتيريا والفطريات، فمثلاً البول الغني بالسكر يصبح وسطًا مثاليًا لنمو البكتيريا المسببة لالتهابات المسالك البولية.
وبالمثل فإن ارتفاع السكر في سوائل الجسم الأخرى يسهل نمو الفطريات المسببة للعدوى الجلدية أو المهبلية، كما أن ارتفاع سكر الدم يضعف من قدرة خلايا الدم البيضاء - والتي تشكل خط الدفاع الأول في جهاز المناعة - على محاربة العدوى بفعالية.
8. الوخز والتنميل في اليدين والقدمين
قد تشعر أحيانًا بوخز أو خدر أو تنميل في يديك أو قدميك وهو شعور يشبه "الإبر والدبابيس"، ومن المهم ألا تتجاهل هذا الإحساس فهو ليس إزعاجاً عابراً بل قد يكون علامة تحذيرية مبكرة على حدوث تلف في الأعصاب يُعرف باسم "الاعتلال العصبي السكري".
يحدث هذا التلف لأن ارتفاع مستويات السكر في الدم لفترات طويلة يعتبر سامًا للأعصاب، فهو يضر بالألياف العصبية الدقيقة نفسها وكذلك بالأوعية الدموية الصغيرة التي تغذي هذه الأعصاب بالأكسجين والمواد اللازمة لعملها.
يبدأ هذا التأثير عادة في أطول الأعصاب في الجسم وهي تلك التي تصل إلى أصابع القدمين واليدين، ولهذا السبب تظهر الأعراض في الأطراف أولاً، كما أن هذا العرض يكون أكثر شيوعًا في السكري من النوع الثاني.
أعراض السكري المبكرة الخاصة بالنساء - ما الذي يجب أن تبحثي عنه؟
في حين أن النساء تتشارك مع الرجال في معظم الأعراض العامة لمرض السكري إلا أن هناك بعض العلامات الخاصة التي ترتبط بطبيعتهن البيولوجية والهرمونية، والانتباه إلى هذه الأعراض هو المفتاح للكشف المبكر خاصة وأنها قد تكون المؤشرات الوحيدة الواضحة في البداية.
عدوى الخميرة المهبلية والتهابات المسالك البولية المتكررة
تُعد الإصابة المتكررة بعدوى الخميرة المهبلية (القلاع) أو التهابات المسالك البولية (UTIs) من العلامات التحذيرية الهامة جدًا لدى النساء، فإذا لاحظتِ أن هذه الالتهابات أصبحت تحدث بشكل متكرر أو يصعب علاجها فقد يكون ذلك مؤشرًا على وجود مشكلة كامنة في مستويات السكر.
السبب المباشر لذلك هو أن ارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم يؤدي إلى زيادة تركيزه في البول والإفرازات المهبلية، وهذه البيئة الغنية بالسكر تشكل وسطًا مثاليًا لنمو وتكاثر الفطريات (مثل فطر المبيضة البيضاء المسبب للقلاع) والبكتيريا المسببة لالتهابات المسالك البولية، ولذلك فإن تكرار هذه العدوى يستدعي النظر إلى ما هو أبعد من العلاج الموضعي والتفكير في فحص مستويات السكر في الدم.
متلازمة المبيض المتعدد الكيسات (PCOS) وعلاقة السكري بها
متلازمة المبيض المتعدد الكيسات هي اضطراب هرموني شائع يصيب النساء في سن الإنجاب وتشمل أعراضه عدم انتظام الدورة الشهرية وارتفاع مستويات الهرمونات الذكورية (الأندروجينات) وظهور تكيسات صغيرة على المبيضين، والعلاقة بين متلازمة المبيض متعدد الكيسات ومرض السكري قوية جدًا وذات اتجاهين وفهمها مهم جداً.
الرابط الأساسي بين الحالتين هو "مقاومة الأنسولين"، حيث تعاني نسبة كبيرة من النساء المصابات بمتلازمة المبيض المتعدد الكيسات من مقاومة الأنسولين مما يعني أن أجسامهن لا تستجيب للأنسولين بفعالية.
هذا الأمر لا يؤدي فقط إلى تفاقم أعراض المتلازمة (حيث يحفز ارتفاع الأنسولين المبيضين على إنتاج المزيد من الأندروجينات) بل يضع هؤلاء النساء أيضًا في دائرة الخطر الأعلى للإصابة بمقدمات السكري والسكري من النوع الثاني.
تشير الدراسات - في الواقع - إلى أن أكثر من نصف النساء المصابات بهذه المتلازمة يصبن بالسكري من النوع الثاني قبل سن الأربعين، ولذلك يجب اعتبار تشخيص متلازمة المبيض المتعدد الكيسات بمثابة إنذار مبكر يتطلب مراقبة دقيقة لمستويات السكر واتباع نمط حياة صحي للوقاية من السكري.
جفاف المهبل وانخفاض الرغبة الجنسية
من شأن مرض السكري أن يؤثر على الصحة الجنسية للمرأة بطرق متعددة، وأحد الأسباب الرئيسية هو الاعتلال العصبي السكري تماماً كما يؤثر تلف الأعصاب على الإحساس في اليدين والقدمين يمكنه أيضاً أن يقلل من الإحساس في المنطقة التناسلية.
هذا التلف في الأعصاب بالإضافة إلى الضرر الذي يلحق بالأوعية الدموية الدقيقة والذي يقلل من تدفق الدم إلى المنطقة من شأن ذلك كله أن يؤدي إلى جفاف المهبل وصعوبة في الوصول إلى النشوة الجنسية وانخفاض عام في الرغبة الجنسية.
غالباً ما يتم إغفال هذه الأعراض أو إرجاعها إلى أسباب أخرى كالتوتر أو التغيرات الهرمونية، ولكن من المهم اعتبارها جزءاً من الصورة الكاملة عند تقييم احتمالية الإصابة بالسكري.
أعراض سكر الحمل
سكر الحمل هو نوع من السكري يظهر لأول مرة خلال فترة الحمل، وهذا النوع - في معظم الحالات - لا يسبب أي أعراض واضحة وعادةً ما يتم اكتشافه من خلال الفحوصات الروتينية التي تجريها الحامل بين الأسبوعين 24 و28 من الحمل، وفي بعض الأحيان تلاحظ المرأة زيادة طفيفة في العطش أو كثرة التبول ولكن هذه الأعراض غالبًا ما تُعزى إلى الحمل نفسه.
تكمن أهمية الكشف عن سكر الحمل في تأثيره على صحة الأم والجنين، كما أنه يزيد من خطر إصابة الأم بالسكري من النوع الثاني في وقت لاحق من حياتها ويزيد أيضًا من احتمالية إصابة الطفل بالسمنة والسكري في المستقبل.
أعراض السكري المبكرة الخاصة بالرجال - علامات لا يجب تجاهلها
يتردد أحياناً بعض الرجال في مناقشة بعض الأعراض المتعلقة بالصحة الجنسية، ولكن من الأهمية بمكان فهم أن هذه الأعراض ليست مجرد مشاكل معزولة بل هي في كثير من الأحيان نوافذ تكشف عن صحة الجسم بأكمله، وقد تكون من أولى الإشارات على وجود مرض السكري.
ضعف الانتصاب كمؤشر صحي
يُعد ضعف الانتصاب (ED) أحد الأعراض الشائعة والمبكرة أحيانًا لدى الرجال المصابين بالسكري، وقد يعاني منه ما يصل إلى 75% منهم، ومن المهم عدم التعامل مع هذه المشكلة على أنها مجرد مصدر للإحراج بل كعلامة تحذيرية هامة لصحة الأوعية الدموية والأعصاب في الجسم كله.
يحدث ضعف الانتصاب في سياق السكري نتيجة الضرر الذي يلحقه ارتفاع سكر الدم بالأوعية الدموية الدقيقة والأعصاب التي تتحكم في عملية تدفق الدم إلى العضو الذكري، وهي عملية ضرورية لحدوث الانتصاب والحفاظ عليه، ولذلك يمكن اعتباره بمثابة "ضوء تحذير" مبكر يشير إلى أن هناك مشكلة كامنة في الدورة الدموية قد تؤثر على أعضاء حيوية أخرى كالقلب والدماغ.
القذف المرتجع (Retrograde Ejaculation)
هذه حالة أقل شيوعاً ولكنها مرتبطة بشكل مباشر بالسكري، حيث تحدث عملية القذف الطبيعية عندما تنقبض عضلة عنق المثانة لتمنع السائل المنوي من الدخول إلى المثانة وتوجهه للخروج عبر القضيب، وفي بعض الرجال المصابين بالسكري يؤدي تلف الأعصاب (الاعتلال العصبي اللاإرادي) إلى إضعاف هذه العضلة فلا تنقبض بشكل كامل أثناء النشوة الجنسية.
نتيجة لذلك يرتد جزء من السائل المنوي أو كله إلى الخلف ليدخل إلى المثانة بدلاً من أن يخرج إلى الخارج، وهي حالة تُعرف بالقذف المرتجع، والعلامة الرئيسية لهذه الحالة هي ملاحظة أن كمية السائل المنوي قليلة جداً أو منعدمة تماماً أثناء القذف ("النشوة الجافة") مع ملاحظة أن البول يكون عكراً بعد الجماع لاحتوائه على السائل المنوي. هذه الحالة ليست ضارة بحد ذاتها ولكنها يمكن أن تكون سبباً في العقم.
انخفاض الكتلة العضلية وانخفاض هرمون التستوستيرون
قد يلاحظ بعض الرجال المصابين بالسكري - خاصة من النوع الثاني - انخفاضاً في كتلتهم العضلية وقوتهم البدنية، وهذا الأمر له عدة أسباب متداخلة:
- أولاً: كما ذكرنا في آلية فقدان الوزن، فعندما لا تستطيع الخلايا استخدام الجلوكوز يلجأ الجسم حينها إلى تكسير الأنسجة العضلية للحصول على الطاقة.
- ثانياً: هناك علاقة معقدة بين مرض السكري ومستويات هرمون التستوستيرون، حيث وُجد أن الرجال المصابين بالسكري وخاصة النوع الثاني لديهم معدلات أعلى من انخفاض هرمون التستوستيرون، وانخفاض هذا الهرمون الذكري الرئيسي لا يؤثر فقط على الرغبة الجنسية بل يساهم أيضاً في فقدان الكتلة العضلية وزيادة التعب وتغيرات في المزاج.
القلاع التناسلي
يمكن للرجال أيضًا - على غرار النساء - أن يعانوا من عدوى الخميرة الفطرية والتي تُعرف بالقلاع التناسلي، حيث أنه قد تظهر هذه العدوى على شكل احمرار أو حكة أو تورم حول رأس القضيب وأحيانًا قد يصاحبها إفرازات بيضاء ورائحة كريهة، والسبب وراء ذلك هو نفسه الذي يحدث لدى النساء: ارتفاع مستويات السكر في الدم يؤدي إلى وجود كميات زائدة من السكر في البول.
هذه البيئة الرطبة والغنية بالسكر تشكل مكانًا مثاليًا لنمو وتكاثر الفطريات المسببة للقلاع، ولذلك فإن الإصابة المتكررة بهذه العدوى الفطرية يجب أن تكون دافعًا لفحص مستويات السكر في الدم.
هل تختلف الأعراض بين السكري من النوع 1 والنوع 2 في البداية؟
نعم، هناك فرق جوهري بين الأعراض في السكري من النوع الأول وأعراض السكري النوع الثاني وهو ببساطة سرعة ظهور هذه الأعراض وشدتها على الرغم من أن العديد من الأعراض الأساسية تتشابه بين النوعين، وهذا الاختلاف يعكس الطبيعة المتباينة لكل نوع من المرض وفهمه يساعد في توجيه الشكوك نحو التشخيص الصحيح.
كيف تظهر أعراض السكري من النوع الأول؟
في السكري من النوع الأول يكون الهجوم المناعي على خلايا البنكرياس سريعاً ومدمراً مما يؤدي إلى توقف إنتاج الأنسولين بشكل شبه كامل في فترة قصيرة، ونتيجة لذلك تظهر الأعراض بشكل مفاجئ وحاد غالباً خلال أيام أو أسابيع قليلة فقط.
يكون المريض - الذي غالباً ما يكون طفلاً أو شاباً - بصحة جيدة ثم فجأة يعاني من عطش شديد وكثرة تبول وفقدان وزن كبير ومثير للقلق، وقد تتدهور الحالة بسرعة إلى مرحلة خطيرة تسمى الحماض الكيتوني السكري (DKA)، وهي حالة طبية طارئة تتطلب علاجاً فورياً في المستشفى وتتميز بأعراض إضافية مثل آلام البطن والغثيان والقيء ورائحة الفم الشبيهة بالفاكهة أو الأسيتون.
ماذا عن أعراض السكري النوع الثاني، كيف تظهر؟
على النقيض تماماً فإن السكري من النوع الثاني يظهر بشكل بطيء وتدريجي على مدى شهور أو حتى سنوات طويلة، حيث تبدأ المشكلة بمقاومة الأنسولين حيث لا تزال خلايا البنكرياس تنتج الأنسولين لكن الجسم لا يستجيب له بكفاءة.
يحاول حينها البنكرياس التعويض عن طريق إنتاج المزيد من الأنسولين، وقد تستمر هذه المرحلة لسنوات دون ظهور أي أعراض واضحة، ولهذا السبب قد لا يلاحظ الكثيرون الأعراض الخفيفة أو ينسبونها إلى التقدم في السن أو الإرهاق.
وفي بعض الأحيان تكون العلامة الأولى هي علامة جلدية مرتبطة بمقاومة الأنسولين المرتفعة تُعرف بـ "الشواك الأسود" (Acanthosis Nigricans)، وهي ظهور بقع داكنة سميكة ذات ملمس مخملي في ثنايا الجلد مثل الرقبة والإبطين ومنطقة الفخذ.
لتوضيح هذه الفروقات بشكل مباشر، يمكن تلخيصها في الجدول التالي:
الميزة | السكري من النوع الأول | السكري من النوع الثاني |
---|---|---|
سبب المرض | هجوم مناعي ذاتي يدمر خلايا البنكرياس | مقاومة الأنسولين و/أو نقص نسبي في إنتاجه |
سرعة ظهور الأعراض | سريع ومفاجئ (أيام إلى أسابيع) | بطيء وتدريجي (شهور إلى سنوات) |
العمر النموذجي للتشخيص | الأطفال والشباب غالباً | البالغون (فوق 40 عامًا عادةً) |
فقدان الوزن | شائع وواضح ويكون سريعاً | ممكن ولكنه أقل شيوعًا أو يكون تدريجياً |
علامات جلدية | لا يوجد عادةً | الشواك الأسود (علامة مقاومة الأنسولين) |
احتمالية الحماض الكيتوني (DKA) | عالية عند التشخيص | نادرة، وتحدث غالباً في حالات الشدة المرضية |
من المهم التأكيد على أن هذه الفروقات هي قواعد عامة وقد توجد استثناءات، ولكنها تُظهر إطاراً مفيداً لفهم الاختلاف الجوهري في طبيعة بداية كل نوع من أنواع السكري.
الخطوة التالية: متى يجب عليك زيارة الطبيب وماذا تتوقع؟
إذا لاحظت وجود عرضين أو أكثر من الأعراض التي ناقشناها وخاصة إذا كانت مستمرة أو تزداد سوءًا فمن الضروري جدًا حجز موعد لزيارة طبيبك دون تأخير، فهذا الأمر يكتسب أهمية خاصة إذا كنت تمتلك عوامل خطر إضافية مثل:
- السمنة.
- أو وجود تاريخ عائلي لمرض السكري.
- أو ارتفاع ضغط الدم.
- أو إذا كنتِ قد أصبتِ بسكر الحمل سابقًا.
لا داعي للقلق من زيارة الطبيب فالعملية التشخيصية بسيطة ومباشرة، حيث سيقوم الطبيب بأخذ تاريخك المرضي الكامل وسؤالك بالتفصيل عن الأعراض التي تعاني منها، وبعد ذلك سيجري فحصًا سريريًا ثم يطلب إجراء بعض تحاليل الدم البسيطة لتأكيد التشخيص أو نفيه.
أهم فحص لتشخيص السكري هو تحليل "الهيموغلوبين السكري" أو "السكر التراكمي" (HbA1c)، فهذا التحليل لا يتطلب الصيام وهو يقيس متوسط مستوى السكر في دمك على مدار الشهرين إلى الثلاثة أشهر الماضية مما يعطي صورة دقيقة وموثوقة عن حالة السكر لديك.
وبناءً على نتيجة هذا التحليل وغيره من الفحوصات سيتمكن الطبيب من تحديد ما إذا كنت مصابًا بالسكري أم بمرحلة ما قبل السكري أم أن مستويات السكر لديك طبيعية، وتكون النتائج كالتالي:
- طبيعي: أقل من 5.7%
- مقدمات السكري: بين 5.7% و 6.4%
- الإصابة بالسكري: 6.5% أو أعلى
واعلم دائمًا أن التشخيص ليس نهاية الطريق بل هو بداية رحلة جديدة نحو التحكم بصحتك، كما أن المعرفة والتحرك المبكر هما أقوى الأدوات التي تملكها لمواجهة هذا التحدي بنجاح.
الأسئلة الشائعة عن أعراض مرض السكري في بدايته
لقد جمعنا هنا إجابات لبعض الأسئلة الأكثر إلحاحاً التي قد تدور في ذهنك، بهدف تقديم معلومات واضحة وموجزة تساعدك في رحلتك نحو فهم صحتك بشكل أفضل:
متى يجب أن أزور الطبيب؟
يجب عليك زيارة الطبيب فورًا عند ملاحظة عرضين أو أكثر من الأعراض الرئيسية كالعطش الشديد وكثرة التبول وفقدان الوزن غير المبرر، إذ لا ينبغي التردد في استشارته حتى مع الأعراض الخفيفة لأن الكشف المبكر هو مفتاح الإدارة الناجحة وتجنب المضاعفات، وتزداد أهمية هذه الزيارة في حال وجود عوامل خطر إضافية كالسمنة أو التاريخ العائلي للمرض.
كيف أعرف أن عندي سكر بدون تحليل؟
لا يمكن تأكيد تشخيص مرض السكري بشكل قاطع بدون تحليل دم، فعلى الرغم من أن أعراضًا كالعطش الشديد وكثرة التبول قد تكون مؤشرات قوية إلا أنها قد تتشابه مع حالات طبية أخرى، مما يجعل التحليل هو الطريقة الوحيدة الدقيقة والموثوقة لتحديد مستويات السكر خصوصًا وأن الاعتماد على الأعراض وحدها قد يؤخر التشخيص والعلاج اللازم.
هل يمكن الشفاء من مرض السكري؟
يُعد مرض السكري من النوع الأول حالة مزمنة تتطلب علاجًا مدى الحياة ولا يمكن الشفاء منه حاليًا، بينما يمكن إدارة النوع الثاني بفعالية عالية والوصول أحيانًا إلى حالة "هدأة" تعود فيها مستويات السكر إلى طبيعتها دون أدوية، وهو ما يتحقق غالبًا بتغييرات جذرية في نمط الحياة كفقدان الوزن واتباع نظام غذائي صحي، مع ضرورة المتابعة المستمرة لمنع عودة المرض.
ما هو تحليل السكر التراكمي (HbA1c)؟
تحليل السكر التراكمي (HbA1c) هو فحص دم بسيط يقيس متوسط مستوى الجلوكوز في الدم خلال الشهرين إلى الثلاثة أشهر الماضية عبر تحديد نسبة الهيموغلوبين المرتبط بالجلوكوز، ويُعتبر المؤشر الذهبي للتشخيص والمتابعة لأنه يقدم صورة شاملة عن التحكم في السكر على المدى الطويل، بخلاف قياس السكر اليومي الذي يعطي قراءة لحظية فقط.
هل التوتر يسبب السكري؟
لا يسبب التوتر النفسي مرض السكري بشكل مباشر، لكنه كعامل مزمن يمكن أن يساهم في ارتفاع مستويات السكر بالدم عبر تحفيز إفراز هرمونات كالكورتيزول والأدرينالين، مما يجعله عاملاً مسرعًا أو مساهمًا في ظهور المرض لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي أو عوامل خطر أخرى.
ما هي مرحلة ما قبل السكري (Prediabetes)؟
مرحلة ما قبل السكري - أو ما يُطلق عليها "مقدمات السكري" - هي حالة تحذيرية تكون فيها مستويات السكر بالدم أعلى من الطبيعي ولكنها لم تصل بعد لمستوى التشخيص بالسكري من النوع الثاني، وتعتبر فرصة ذهبية للوقاية إذ يمكن عكسها تمامًا ومنع تطورها إلى سكري كامل عبر إجراء تغييرات صحية على نمط الحياة كتحسين النظام الغذائي وزيادة النشاط البدني.
هل العطش الشديد يعني بالضرورة وجود السكري؟
على الرغم من أن العطش الشديد يُعد من الأعراض الكلاسيكية لمرض السكري إلا أنه لا يعني بالضرورة وجوده، حيث يمكن أن يحدث لأسباب أخرى كالجفاف أو تناول أطعمة مالحة، ولكن إذا كان مستمرًا ومصحوبًا بأعراض أخرى ككثرة التبول والتعب هنا يصبح من الضروري جدًا استشارة الطبيب لفحص احتمالية الإصابة بالسكري.
هل حكة المهبل دائمًا من علامات السكر؟
الحكة المهبلية وخاصة الناتجة عن عدوى الخميرة تُعد عرضًا شائعًا لدى النساء المصابات بالسكري غير المنضبط، لكنها ليست دائمًا علامة عليه لوجود أسباب أخرى عديدة، والمفتاح هو التكرار، فإذا كانت العدوى متكررة ويصعب علاجها فيجب أن تكون مدعاة للشك وتستدعي فحص مستويات السكر.
ما هي رائحة فم مريض السكر؟
في حالات نادرة وخطيرة خاصة لدى مرضى السكري من النوع الأول غير المشخص قد تظهر رائحة نفس مميزة تشبه الفاكهة المتعفنة أو الأسيتون، وهي علامة على حالة طارئة تُعرف بالحماض الكيتوني السكري التي تحدث عند حرق الجسم للدهون بكثافة مما ينتج عنه تراكم الكيتونات في الدم ويتطلب تدخلاً طبيًا فوريًا.
الخاتمة
إن التعرف على الأعراض المبكرة لمرض السكري كالعطش الشديد وكثرة التبول والإرهاق وفقدان الوزن غير المبرر هو خطوتك الأولى نحو حماية صحتك، فهذه الأعراض ليست مجرد إزعاجات عابرة بل هي رسائل مهمة يرسلها جسمك للإشارة إلى وجود خلل في نظام الطاقة لديه.
من خلال قراءة هذا المقال أصبحت الآن تملك المعرفة التي تمكنك من فهم هذه الرسائل والاستجابة لها بوعي، فلا تتجاهل هذه الإشارات واستشر طبيبك، فالكشف المبكر هو أقوى أداة تملكها للحفاظ على صحتك ومستقبلك.
إخلاء المسؤولية الطبية
المعلومات الواردة في هذا المقال هي لأغراض تثقيفية وإعلامية فقط وليست بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة، إذ يجب دائمًا استشارة طبيب مؤهل بخصوص أي أسئلة لديك حول حالة طبية، مع عدم تجاهل المشورة المهنية أو التأخر في طلبها بسبب ما قرأته هنا.
المَراجع:
American Diabetes Association. (n.d.). Diabetes symptoms. Retrieved from https://diabetes.org/about-diabetes/warning-signs-symptoms
Centers for Disease Control and Prevention. (2024, May 15). Type 2 Diabetes. Retrieved from https://www.cdc.gov/diabetes/about/about-type-2-diabetes.html
Endocrine Society. (2022, January 24). Diabetes complications. Retrieved from https://www.endocrine.org/patient-engagement/endocrine-library/diabetes-complications
Mayo Clinic. (2025, February 27). Type 2 diabetes: Symptoms and causes. Retrieved from https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/type-2-diabetes/symptoms-causes/syc-20351193
Mayo Clinic. (2024, May 10). Diabetes: Symptoms and causes. Retrieved from https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/diabetes/symptoms-causes/syc-20371444
MedlinePlus. (2021, October 26). Diabetes. Retrieved from https://medlineplus.gov/diabetes.html
National Health Service. (n.d.). Symptoms: Type 2 diabetes. Retrieved from https://www.nhs.uk/conditions/type-2-diabetes/symptoms/
World Health Organization. (2023, April 5). Diabetes. Retrieved from https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/diabetes
Legris, M., et al. (2021). The rising prevalence of diabetes and prediabetes in the Middle East and North Africa. World Journal of Diabetes, 12(9), 1401-1412. https://www.wjgnet.com/1948-9358/full/v12/i9/1401.htm
International Diabetes Federation. (2021). IDF Diabetes Atlas (10th ed.). https://diabetesatlas.org/
إرسال تعليق